منتدى لين الصعيدي
منتدى لين الصعيدي
منتدى لين الصعيدي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


امـــــورهـ♥ليــــــن♥الحلـــــــــــوين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتبادل الاعلانيالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء
<div style="background-color: none transparent;"><a href="http://www.rsspump.com/?web_widget/rss_ticker/news_widget" title="News Widget">News Widget</a></div>

 

 اجمل قصائد نازك الملائكة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ines 23
ҳ̸Ҳ̸ҳ مشرفة قسم حواءҳ̸Ҳ̸ҳ
ines 23


الجنس : انثى

عدد المساهمات : 194

تاريخ التسجيل : 26/02/2010

العمر : 23


اجمل قصائد نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: اجمل قصائد نازك الملائكة   اجمل قصائد نازك الملائكة Emptyالأربعاء يونيو 02, 2010 9:30 am

اجمل قصائد نازك الملائكة



( عاشقة الليل )

يا ظلامَ الليــلِ يا طــاويَ أحزانِ القلوبِ

أُنْظُرِ الآنَ فهذا شَبَحٌ بادي الشُحـــــوبِ

جاء يَسْعَى ، تحتَ أستاركَ ، كالطيفِ الغريبِ

حاملاً في كفِّه العــودَ يُغنّــــي للغُيوبِ

ليس يَعْنيهِ سُكونُ الليــلِ في الوادي الكئيبِ

****

هو ، يا ليلُ ، فتاةٌ شُهد الوادي سُـــرَاها

أقبلَ الليلُ عليهــا فأفاقتْ مُقْلتاهـــــا

ومَضتْ تستقبلُ الواديْ بألحــانِ أساهــا

ليتَ آفاقَكَ تــدري ما تُغنّــي شَفَتاهــا

آهِ يا ليلُ ويا ليتَــكَ تـدري ما مُنَاهـــا

****

جَنَّها الليلُ فأغرتها الدَيَاجــي والسكــونُ

وتَصَبَّاها جمالُ الصَمْــتِ ، والصَمْتُ فُتُونُ

فنَضتْ بُرْدَ نهارٍ لفّ مَسْــراهُ الحنيـــنُ

وسَرَتْ طيفاً حزيناً فإِذا الكــونُ حزيــنُ

فمن العودِ نشيجٌ ومن الليـــلِ أنيـــنُ

****

إِيهِ يا عاشقةَ الليلِ وواديـــهِ الأَغــنِّ

هوذا الليلُ صَدَى وحيٍ ورؤيـــا مُتَمنٍّ

تَضْحكُ الدُنْيا وما أنتِ سوى آهةِ حُــزْنِ

فخُذي العودَ عن العُشْبِ وضُمّيهِ وغنّــي

وصِفي ما في المساءِ الحُلْوِ من سِحْر وفنِّ

****

ما الذي ، شاعرةَ الحَيْرةِ ، يُغْري بالسماءِ ؟

أهي أحلامُ الصَبايا أم خيالُ الشعـــراء ؟

أم هو الإغرامُ بالمجهولِ أم ليلُ الشقــاءِ ؟

أم ترى الآفاقُ تَستهويكِ أم سِحْرُ الضيـاءِ ؟

عجباً شاعرةَ الصمْتِ وقيثارَ المســـاء

****

طيفُكِ الساري شحوبٌ وجلالٌ وغمـوضُ

لم يَزَلْ يَسْري خيالاً لَفَّه الليلُ العـريضُ

فهو يا عاشقةَ الظُلْمة أســـرارٌ تَفيضُ

آه يا شاعرتي لن يُرْحَمَ القلبُ المَهِيـضُ

فارجِعي لا تَسْألي البَرْق فما يدري الوميضُ

عَجَباً ، شاعرةَ الحَيْرةِ ، ما سـرُّ الذُهُولِ ؟

ما الذي ساقكِ طيفاً حالماً تحتَ النخيـلِ ؟

مُسْنَدَ الرأسِ الى الكفَينِ في الظلِّ الظليلِ

مُغْرَقاً في الفكر والأحزانِ والصمتِ الطويلِ

ذاهلاً عن فتنةِ الظُلْمة في الحقلِ الجميــلِ

****

أَنْصتي هذا صُراخُ الرعْدِ ، هذي العاصفاتُ

فارجِعي لن تُدْركي سرّاً طوتْهُ الكائنــاتُ

قد جَهِلْناهُ وضنَــتْ بخفايــاهُ الحيــاةُ

ليس يَدْري العاصـفُ المجنونُ شيئاً يا فتاةُ

فارحمي قلبَكِ ، لــن تَنْطِقُ هذي الظُلُمات





( إلى الشعر )



من بَخور المعابدِ في بابل الغابرهْ

من ضجيج النواعيرِ في فَلَواتِ الجَنوبْ

من هتافاتِ قُمْريّةٍ ساهرهْ

وصدى الحاصدات يغنّين لحنَ الغروبْ

ذلكَ الصوتُ, صوتُكَ سوف يؤوبْ

لحياتي, لسمع السنينْ

مُثخَنًا بعبيرِ مساءٍ حزينْ

أثقلتهُ السنابِلُ بالأرَجِ النَّشْوانْ,

بصدًى شاعريّ غريبْ

من هُتافاتِ ضفدعةٍ في الدجى النعسان

يملأُ الليلَ والغدْرانْ

صوتُها المتراخي الرتيبْ

**

ذلك الصوتُ, صوتُكَ سوف يؤوب

لحياتي, لسَمْع المساءْ

سيؤوبُ وأسمعُ فيه غناءْ

قمريَّ العُذوبةِ فيه صَدًى من ليالي المطر

من هدوءِ غُصونِ الشجر

وهي تمتصّ سَكْرى, رحيق السَّماءْ

الرحيقَ الذي عطّرتْهُ الغيومْ

بالرؤى, بتحايا النجومْ

**

سأجوبُ الوجودْ

وسأجمَعُ ذرّاتِ صوتِكَ من كل نَبْعٍ بَرودْ

من جبال الشِّمالْ

حيث تهمسُ حتى الزنابقُ بالأُغنياتْ

حيثُ يحكي الصنوبرُ للزَّمَنِ الجوّالْ

قصصًا نابضاتْ

بالشَّذى, قصصًا عن غرامِ الظِّلالْ

بالسواقي, وعن أغنياتِ الذئابْ

لمياهِ الينابيعِ في ظُلَلِ الغاباتْ

عن وقَارِ المراعي وفلسفة الجَدْولِ المُنْسابْ

عن خَروفٍ يُحسّ اكتِئابًا عميقْ

ويُقضِّي النَّهارْ

يقضِمُ العُشْبَ والأفكارْ

مُغْرَقًا في ضَبابِ وجودٍ سحيقْ

**

وسأجمعُ ذرّاتِ صَوْتِك من ضَحِكاتِ النعيمْ

في مساءٍ قديمْ

من أماسيِّ دِجلةَ يُثْقلُ أجواءَهُ بالحنينْ

مرحُ الساهرينْ

يرشفونَ خرير المياهْ

وهي تَرْطُمُ شاطئَهُمْ, وضياءُ القَمَرْ

قَمَرِ الصيفِ يملأ جوّ المَساءِ صُوَرْ

والنسيمُ يمرّ كلمس شِفاهْ

من بلادٍ أُخَرْ

ليلةٌ شهرزاديّةُ الأجواءْ

في دجاها الحَنونْ

كلّ شيءٍ يُحسّ ويحلُمُ حتى السكونْ

ويهيم بحبِّ الضياءْ

**

وسأسمَع صوتَكَ حيثُ أكونْ

في انفعال الطبيعةِ, في لَحَظاتِ الجنونْ

حينَ تُثْقل رجعَ الرُّعودْ

ألفُ أسطورةٍ عن شَبابِ الوجودْ

عن عصورٍ تَلاَشَتْ وعن أُمَم لن تعودْ

عن حكاياتِ صبيانِ (عادْ)

لصبايا (ثمودْ)

وأقاصيصَ غنَّتْ بها شهرزادْ

ذلك الملكَ المجنونْ

في ليالي الشتاءْ

وسأسمَعُ صوتَكَ كلّ مَسَاءْ

حين يغفو الضياءْ

وتلوذُ المتاعبُ بالأحلامْ

وينامُ الطموحُ تنامُ المُنَى والغَرَامْ

وتنامُ الحياةُ, ويبقى الزَّمَانْ

ساهرًا لا يَنَامْ

مثل صوتك, ملء الدُّجَى الوَسنانْ

صوتُكَ السهرانْ

في حنيني العميق

صوتك الأبديّ الذي لا يَنَامْ

فهو يبقَى معي سهرانْ

وأُحسّ صداهُ الملوّنَ يملأ كل طريقْ

بالشَّذَى بندى الألوانْ

صوتُكَ المجهولْ

أنا أدركتُ - يا فرحتا - سرّهُ المَعْسُولْ

أنا أدركتُهُ أنا وَحْدي وصمْتُ الزَّمَانْ





( جامعة الظلال )



أخيرًا لمستُ الحياهْ

وأدركتُ ما هي أيُّ فراغٍ ثَقيلْ

أخيرًا تبيّنتُ سرَّ الفقاقيعِ واخيبتاهْ

وأدركتُ أني أضعتُ زمانًا طويلْ

ألُمُّ الظلالَ وأخبِطُ في عَتْمة المستحيلْ

ألمُّ الظلالَ ولا شيءَ غير الظِلالْ

ومرَّتْ عليَّ الليالْ

وها أنا أُدْركُ أني لمستُ الحياهْ

وإن كنت أصرُخُ واخيبتاهْ!

ومرَّ عليَّ زمانٌ بطيءُ العُبورْ

دقائقُهُ تتمطّى مَلالاً كأنَّ العُصورْ

هنالكَ تغفو وتنسى مواكبُها أن تدورْ

زمانٌ شديدُ السواد, ولونُ النجومْ

يذكّرُني بعيونِ الذئابْ

وضوءٌ صغيرٌ يلوحُ وراءَ الغُيومْ

عرفتُ به في النهايةِ لونَ السَّرابْ

ووهمَ الحياهْ

فواخيبتاهْ

أهذا إذن هو ما لقّبوهُ الحياهْ?

خُطوطٌ نظَلُّ نخطِّطُها فوقَ وجهِ المياهْ?

وأصداءُ أغنيةٍ فظّةٍ لا تَمَسُّ الشِّفاهْ?

وهذا إذنْ هو سرُّ الوجودْ?

ليالٍ ممزّقةٌ لا تعودْ?

وآثارُ أقدامِنا في طريقِ الزمان الأصَمْ

تمرُّ عليها يدُ العاصفهْ

فتمسحُها دونما عاطفهْ

وتُسْلمُها للعَدَمْ

ونحنُ ضحايا هنا

تجوعُ وتعطشُ أرواحُنا الحائرهْ

ونحسَبُ أَن المنى

ستملأ يومًا مشاعرَنا العاصرهْ

ونجهلُ أَنَّا ندورْ

مع الوَهْم في حَلَقاتْ

نجزِّئُ أيامَنا الآفلاتْ

إلى ذكرياتْ

وننتظرُ الغَدَ خلفَ العُصورْ

ونجهلُ أَن القبور ْ

تمدُّ إلينا بأذرعِها الباردهْ

ونجهلُ أَنّ الستائرَ تُخفي يدًا ماردهْ

**

عرفتُ الحياةَ, وضِقتُ بجمع الظلالْ

وأضجرَني أن نجوبَ التلالْ

نحدّقُ في حَسرةٍ خلفَ رَكبِ الليالْ

تسيرُ بنا القافلهْ

نجوسُ الشوارعَ في وَحْدةٍ قاتلهْ

إلامَ يُخادعُنا المبهَمُ?

وكيفَ النهايةُ? لا أحدٌ يعلم

**

سنبقى نسيرْ

وأبقى أنا في ذُهولي الغريرْ

ألُمُّ الظلالَ كما كنتُ دونَ اهتمامْ

عيونٌ ولا لونَ, لا شيءَ إلاَّ الظلامْ

شفاهٌ تُريدُ ولا شيءَ يَقرَبُ مما تريدْ

وأيدٍ تُريدُ احتضانَ الفضاءِ المديدْ

وقلبٌ يريدُ النجومْ

فيصفعُهُ في الدياجيرِ صوتُ القَدُومْ

يُهيلُ الترابَ على آخر الميّتينْ

وأقصوصةٌ من يَرَاع السنينْ

تضجُّ بسمعي فأصرخ: آه!

أخيرًا عرفتُ الحياهْ

فواخيبتاهْ!





( دعوة إلى الأحلام )



تعال لنحلم , إنّ المساء الجميل دنا

ولين الدجى وخدود النجوم تنادي بنا

تعال نصيد الرؤى ونعدّ خيوط السّنا

ونشهد منحدرات الرمال على حبّنا

***

سنمشي معا فوق صدر جزيرتنا الساهدة

ونبقي على الرمل آثار أقدامنا الشاردة

ويأتي الصباح فيلقي بأندائه البارده

وينبت حيث حلمنا ولو وردة واحده

***

سنحلم أنّا صعدنا نرود جبال القمر

ونمرح في عزلة اللانهاية واللابشر

بعيدا , بعيدا, إلى حيث لا تستطيع الذكر

إلينا الوصول فنحن وراء امتداد الفكر

***

سنحلم أنّا استحلنا صبيّين فوق التلال

بريئين نركض فوق الصخور ونرعى الجمال

شريدين ليس لنا منزل غير كوخ الخيال

وحين ننام نمرّغ أجسامنا في الرمال

***

سنحلم أنّا نسير إلى الأمس لا للغد

وأنّا وصلنا إلى بابل ذات فجر ند

حبيبين نحمل عهد هوانا إلى المعبد

يباركنا كاهن بابليّ نقيّ اليد







( شجرة القمر )



1

على قمّةٍ من جبال الشمال كَسَاها الصَّنَوْبَرْ

وغلّفها أفُقٌ مُخْمليٌّ وجوٌّ مُعَنْبَر ْ

وترسو الفراشاتُ عند ذُرَاها لتقضي المَسَاءْ

وعند ينابيعها تستحمّ نجومُ السَّمَاءْ

هنالكَ كان يعيشُ غلامٌ بعيدُ الخيالْ

إذا جاعَ يأكلُ ضوءَ النجومِ ولونَ الجبالْ

ويشربُ عطْرَ الصنوبرِ والياسمين الخَضِلْ

ويملأ أفكارَهُ من شَذَى الزنبقِ المُنْفعلْ

وكان غلامًا غريبَ الرؤى غامض الذكرياتْ

وكان يطارد عطر الرُّبَى وصَدَى الأغنياتْ

وكانت خلاصةُ أحلامِهِ أن يصيدَ القَمَرْ

ويودعَهُ قفصًا من ندًى وشذًى وزَهَرْ

وكان يقضِّي المساءَ يحوك الشباكَ ويَحْلُمْ

يوسّدُهُ عُشُبٌ باردٌ عند نبع مغمغِمْ

ويسْهَرُ يرمُقُ وادي المساء ووجْهَ القَمَرْ

وقد عكستْهُ مياهُ غديرٍ بَرُودٍ عَطِرْ

وما كان يغفو إذا لم يَمُرّ الضياءُ اللذيذ

على شَفَتيهِ ويسقيهِ إغماءَ كأسِ نبيذْ

وما كان يشربُ من منبع الماء إلاّ إذا

أراق الهلالُ عليه غلائلَ سكرى الشَّذَى

2

وفي ذات صيفٍ تسلّل هذا الغلامُ مساءْ

خفيفَ الخُطَى, عاريَ القدمين, مَشُوقَ الدماءْ

وسار وئيدًا وئيدًا إلى قمَّةٍ شاهقهْ

وخبّأ هيكلَهُ في حِمَى دَوْحةٍ باسقهْ

وراح يعُدّ الثواني بقلبٍ يدُقّ يدُقّ

وينتظرُ القَمَرَ العذْبَ والليلُ نشوانُ طَلْقُ

وفي لحظةٍ رَفَعَ الشَّرْقُ أستارَهُ المُعْتمهْ

ولاحَ الجبينُ اللجينيّ والفتنةُ المُلْهِمهْ

وكان قريبًا ولم يَرَ صيّادَنا الباسما

على التلِّ فانسابَ يذرَعُ أفْقَ الدُّجَى حالما

... وطوّقَهُ العاشقُ الجبليّ ومسّ جبينَهْ

وقبّلَ أهْدابَهُ الذائباتِ شذًى وليونهْ

وعاد به: ببحارِ الضِّياءِ, بكأس النعومهْ

بتلك الشفاهِ التي شَغَلتْ كل رؤيا قديمهْ

وأخفاه في كُوخه لا يَمَلّ إليه النَّظَرْ

أذلكَ حُلْمٌ? وكيف وقد صاد.. صادَ القَمرْ?

وأرقَدَه في مهادٍ عبيريّةِ الرّوْنقِ

وكلّلَهُ بالأغاني, بعيْنيهِ, بالزّنْبقِ

3

وفي القريةِ الجبليّةِ, في حَلَقات السّمَرْ

وفي كلّ حقلٍ تَنَادَى المنادون: "أين القمر?!"

"وأين أشعّتُهُ المُخْمليّةُ في مَرْجنا?"

"وأين غلائلُهُ السُّحُبيّة في حقلنا?"

ونادت صبايا الجبالِ جميعًا "نُريدُ القَمَرْ!"

فردّدتِ القُنَنُ السامقاتُ: "نُريدُ القَمَرْ"

"مُسامِرُنا الذهبيّ وساقي صدى زَهْرنا"

"وساكبُ عطر السنابِل والورد في شَعْرنا"

"مُقَبّلُ كلّ الجِراح وساقي شفاه الورودْ"

"وناقلُ شوقِ الفَرَاشِ لينبوعِ ماءٍ بَرودْ"

"يضيءُ الطريقَ إلى كلّ حُلْمٍ بعيدِ القَرَارْ"

"ويُنْمي جدائلَنا ويُريقُ عليها النُّضَارْ"

"ومن أينَ تبرُدُ أهدابُنا إن فَقَدْنا القَمَر?"

"ومَنْ ذا يرقّقُ ألحاننا? مَن يغذّي السّمَرْ?"

ولحنُ الرعاةِ تردّدَ في وحشةٍ مضنيهْ

فضجّتْ برَجْعِ النشيدِ العرائشُ والأوديهْ

وثاروا وساروا إلى حيثُ يسكُنُ ذاكَ الغُلامْ

ودقّوا على البابِ في ثورةٍ ولَظًى واضطرامْ

وجُنّوا جُنُونًا ولم يَبْقَ فوق المَرَاقي حَجَرْ

ولا صخرةٌ لم يُعيدا الصُّرَاخَ: "نُريدُ القَمَرْ"

وطاف الصّدَى بجناحَيْهِ حول الجبالِ وطارْ

إلى عَرَباتِ النجومِ وحيثُ ينامُ النّهَارْ

وأشرَبَ من نارِهِ كلّ كأسٍ لزهرةِ فُلِّ

وأيقَظَ كلّ عبيرٍ غريبٍ وقَطْرةِ طلِّ

وجَمّعَ مِن سَكَراتِ الطبيعةِ صوتَ احتجاجْ

ترددَ عند عريش الغلامِ وراء السياجْ

وهزَّ السكونَ وصاحَ: "لماذا سَرَقْت القَمَرْ?"

فجُنّ المَسَاءُ ونادى: "وأينَ خَبَأْتَ القَمَرْ?"

4

وفي الكوخِ كان الغلامُ يضُمّ الأسيرَ الضحوكْ

ويُمْطرُهُ بالدموع ويَصْرُخُ: "لن يأخذوك?"

وكان هُتَافُ الرّعاةِ يشُقّ إليهِ السكونْ

فيسقُطُ من روحه في هُوًى من أسًى وجنونْ

وراح يغنّي لملهِمه في جَوًى وانْفعالْ

ويخلطُ بالدَّمْع والملح ترنيمَهُ للجمالْ

ولكنّ صوتَ الجماهيرِ زادَ جُنونًا وثورهْ

وعاد يقلِّبُ حُلْمَ الغلامِ على حدِّ شفرهْ

ويهبطُ في سَمْعه كالرّصاص ثقيلَ المرورْ

ويهدمُ ما شيّدتْهُ خيالاتُهُ من قصور

وأين سيهرُبُ? أين يخبّئ هذا الجبينْ?

ويحميهِ من سَوْرة الشَّوْقِ في أعين الصائدين?

وفي أيّ شيء يلفّ أشعَّتَهُ يا سَمَاءْ

وأضواؤه تتحدّى المخابئَ في كبرياءْ?

ومرّتْ دقائقُ منفعِلاتٌ وقلبُ الغُلامْ

تمزِّقُهُ مُدْيةُ الشكِّ في حَيْرةٍ وظلامْ

وجاء بفأسٍ وراح يشقّ الثَّرَى في ضَجَرْ

ليدفِنَ هذا الأسيرَ الجميلَ, وأينَ المفرْ?

وراحَ يودِّعُهُ في اختناقٍ ويغسِلُ لونهْ

بأدمعِه ويصُبّ على حظِّهِ ألفَ لعنَهْ

5

وحينَ استطاعَ الرّعاةُ المُلحّون هدْمَ الجدارْ

وتحطيمَ بوّابةِ الكوخ في تَعَبٍ وانبهارْ

تدفّقَ تيّارهم في هياجٍ عنيفٍ ونقمهْ

فماذا رأوا? أيّ يأسٍ عميق وأيّة صَدْمَهْ!

فلا شيءَ في الكوخ غيرَ السكون وغيرَ الظُّلَمْ

وأمّا الغُلامُ فقد نام مستَغْرَقًا في حُلُمْ

جدائلُهُ الشُّقْرُ مُنْسدلاتٌ على كَتِفَيهِ

وطيفُ ابتسامٍ تلكّأ يَحلُمُ في شفتيهِ

ووجهٌ كأنَّ أبولونَ شرّبَهُ بالوضاءهْ

وإغفاءةٌ هي سرّ الصَّفاءِ ومعنى البراءهْ

وحار الرُّعاةُ أيسرقُ هذا البريءُ القَمَرْ?

ألم يُخطِئوا الاتّهام ترى? ثمّ... أينَ القَمَرْ?

وعادوا حَيارى لأكواخهم يسألونَ الظلامْ

عن القَمَر العبقريّ أتاهَ وراءَ الغمامْ?

أم اختطفتْهُ السَّعالي وأخفتْهُ خلفَ الغيومْ

وراحتْ تكسّرُهُ لتغذّي ضياءَ النجومْ?

أمِ ابتلعَ البحرُ جبهتَهُ البضّةَ الزنبقيّهْ?

وأخفاهُ في قلعةٍ من لآلئ بيضٍ نقيّهْ?

أم الريحُ لم يُبْقِ طولُ التنقّلِ من خُفِّها

سوى مِزَقٍ خَلِقاتٍ فأخفتْهُ في كهفها

لتَصْنَعَ خُفّينِ من جِلْدِهِ اللّين اللَّبَنيّ

وأشرطةً من سَناهُ لهيكلها الزنبقي

6

وجاء الصباحُ بَليلَ الخُطَى قمريّ البرُودْ

يتوّجُ جَبْهَتَهُ الغَسَقيَّةَ عِقْدُ ورُودْ

يجوبُ الفضاءَ وفي كفّه دورقٌ من جَمالْ

يرُشّ الندى والبُرودةَ والضوءَ فوق الجبالْ

ومرَّ على طَرَفَيْ قدمَيْه بكوخ الغُلامْ

ورشَّ عليه الضياءَ وقَطْرَ النَّدى والسَّلامْ

وراح يسيرُ لينجز أعمالَهُ في السُُّفُوحْ

يوزِّعُ ألوانَهُ ويُشِيعُ الرِّضا والوضوحْ

وهبَّ الغلامُ مِنَ النوم منتعشًا في انتشاءْ

فماذا رأى? يا نَدَى! يا شَذَى! يا رؤى! يا سماءْ!

هنالكَ في الساحةِ الطُّحْلُبيَّةِ, حيثُ الصباحْ

تعوَّدَ ألاَّ يَرَى غيرَ عُشْبٍ رَعَتْهُ الرياحْ

هنالكَ كانت تقومُ وتمتدّ في الجوِّ سِدْرَهْ

جدائلُها كُسِيَتْ خُضْرةً خِصْبةَ اللون ِثَرَّهْ

رعاها المساءُ وغذَّت شذاها شِفاه القَمَرْ

وأرضَعَها ضوءُه المختفي في الترابِ العَطِرْ

وأشربَ أغصانَها الناعماتِ رحيقَ شَذَاهُ

وصبَّ على لونها فضَّةً عُصِرَتْ من سَناهُ

وأثمارها? أيّ لونٍ غريبٍ وأيّ ابتكارْ

لقد حار فيها ضياءُ النجومِ وغارَ النّهارْ

وجُنّتْ بها الشَّجَراتُ المقلِّدَةُ الجامِدَهْ

فمنذ عصورٍ وأثمارُها لم تَزَلْ واحدهْ

فمن أيِّ أرضٍ خياليَّةٍ رَضَعَتْ? أيّ تُرْبهْ

سقتْها الجمالَ المفضَّضَ? أي ينابيعَ عذْبَهْ?

وأيةُ معجزةٍ لم يصِلْها خَيالُ الشَّجَرْ

جميعًا? فمن كلّ غُصْنٍ طريٍّ تَدَلَّى قَمَرْ

7

ومرَّتْ عصورٌ وما عاد أهلُ القُرى يذكرون

حياةَ الغُلامِ الغريبِ الرُّؤى العبقريِّ الجُنون

وحتى الجبالُ طوتْ سرّه وتناستْ خطاهُ

وأقمارَهُ وأناشيدَهُ واندفاعَ مُناهُ

وكيف أعادَ لأهلِ القُرى الوالهين القَمَرْ

وأطلَقَهُ في السَّماءِ كما كانَ دونَ مقرْ

يجوبُ الفضاءَ ويَنْثرُ فيه النَّدَى والبُرودهْ

وشِبْهَ ضَبابٍ تحدّر من أمسياتٍ بعيدهْ

وهَمْسًا كأصداء نبعٍ تحدّر في عمْق كهفِ

يؤكّدُ أنَّ الغلامَ وقصّتَهُ حُلْمُ صيفِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
اجمل قصائد نازك الملائكة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» معلومات عن الملائكة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى لين الصعيدي :: قسم حواء :: سَلـآسِل البــُــوحِ-
انتقل الى: